زايد لم يزرع الصحراء فحسب .... بل زرع فينا القيم والفضائل والمكارم، غرس الحب والعطاء فحصد العرفان والوفاء .... بكاه البشر والشجر واشتاقت اليه كل حبة رمل خطت عليها قدمه..
Home / صورة و حكاية / في العرب ما أحد أخير منك يا زايد

في العرب ما أحد أخير منك يا زايد

مقولة (في العرب ما أحد أخير منك يا زايد)

 

من عادة الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله عليه جلوسه مع محبيه ومحادثتهم والاستماع إليهم.

وفي احدى هذه الجلسات سأل الشيخ زايد بن سلطان الشيخ سالم ابن حم (رحمة الله عليهم جميعا) عن الحلوى العمانية يريد رأيه فيها، حيث كان الشيخ زايد يستأنس برأي الشيخ ابن حم

فقال: (وش تقول يا سالم في الحلوى)

فرد الشيخ سالم بلهجته البدوية قائلا: (في العيشة ماشي أحلى من الحلوى، وفي العرب ما أحد أخير منك يا زايد)

فصفق الحضور على رد الشيخ ابن حم ومن بينهم حاكم راس الخيمة في ذلك الوقت الشيخ صقر بن محمد القاسمي رحمة الله عليه.

فكان مقصد ابن حم بأنه لا يوجد ما هو اطيب من الحلوى في الطعام ولا يوجد في العرب من هو أفضل من زايد في الكرم والعادات الطيبة والاخلاق الحميدة، فقد جمع الشيخ زايد الصفات التي حث عليها ديننا الحنيف من مكارم الاخلاق والتواضع وأساس القائد والحاكم.

 

دروس وعبر.

فعندما طرح الشيخ زايد السؤال على الشيخ بن حم بصورة سريعة ومفاجأة، لم يتفاجأ ابن حم ولكن كان رده دليل على نباهته وسرعة بديهيته، ودلالة كبيرة على صدق محبة ابن حم للشيخ زايد.

 

كما قال طرفة بن العبد في المؤاخاة والمحبة:

 

وما أخوك الذي يدنو به نسبٌ     لكن أخوك الذي تصفو ضمائرهُ

 

وقد كان رد الشيخ ابن حم بموجب الفطرة سريعة غير مبتذلة أو مصطنعة، كما تبين فطنته في الرد والذكاء.

وهذا مشابها لما وقع بين المتوكل وابي العيناء حين سأل المتوكل ابي العيناء قائلا: ما أشد ما مرَّ عليك في ذهاب بصرك؟

فردّ ابي العيناء قائلا: فوتُّ رؤيتك يا أمير المؤمنين

 

او كما قيل:

أنت في الناس مثلُ ذا الشهرِ في الأش           هرِ بل مثل ليلــةُ الــقدرِ

او كما قال الحسين بن مطير الأسدي في المهدي:

أضْحَــتْ يَمينُــكَ من جـــودٍ مصــورةً       لا بـل يَمينـُـكَ مِنها صورةُ الجودِ

مِن حُسنِ وَجهِكَ تُضحِى الأرضُ مُشرقَةً     ومِن بَنَانِكَ يَجْرِي الماءُ في العُودِ

 

او ما ذكره المتنبي قائلا:

وطائرك اليُمنُ الذي انت يُمنهُ     وطالعك السعدُ الذي أنت سُعدهُ

 

او كما قال الفتح بن خاقان وهو صبي حين سأله امير المؤمنين المعتصم حين اراه المعتصم فِصاً في يده:

يا فتح هل رأيت أحسن من هذا الفص؟

فرد قائلا: نعم، اليد التي هو فيها.

وتعد هذه الأمثلة من أبدع الردود التي تظهر سرعة البديهة والنباهة

 

فكان الشيخ ابن حم يتصف بالنباهة والذكاء اللماح وسرعة البديهة وهي أحد عناصر الحكمة التي كان يتصف بها الشيخ سالم بن حم.

فالنباهة مأخوذة من نَبُهَ للأمر: فَطِنَ له كما وجدناها في المعاجم اللغوية.

اما البديهة هي سداد الرأي عند المفاجأة وهي المعرفة يجدها الإنسان في نفسه من غير إعمال للفكر، ولا علم بسببها.

كما يقال أجاب على البديهة: بصورة تلقائية، ومن غير تفكير.

ويقال صاحب بديهة: يصيب الرأي في أول ما يفاجأ به، يفهم ما يلقى عليه من أول وهلة.

وذكر الأَزهري: البَدْهُ أَن تستقبل الإِنسان بأَمر مُفاجأَةً، والاسم البَدِيهةُ في أَول ما يُفاجأُ به. وبَدَهَهُ بالأَمر: استقبله به. تقول: بَدَهَهُ أَمرٌ يَبْدَهُه بَدْهاً فجأة.

وقال ابن سيده: بَدَهَهُ بالأَمر يَبْدَهُهُ بَدْهاً وبادَهَهُ مُبادَهَةً وبِداهاً فاجأَه، وتقول: بادَهَني مُبادَهَةً أَي باغَتَني مُباغَتة؛ وأَنشد ابن بري للطِّرِمَّاحِ:

 

وأَجْـوِبة كـالـرَّاعِـبـيَّةِ وَخْــزُهـــا          يُبادِهُها شيخُ العِرافيْنِ أَمْردَا

 

فالنباهة وسرعة البديهة تدل على الذكاء اللماح وهي احدى عناصر الحكمة ولولاها لما وجدة الحكمة.

وسرعة البديهة مظهر من مظاهر الذكاء وامتلاكها دليل المهارة ولهذا يقال فلان سريع البديهة او حاضر البديهة.

وقال ابن الراوندي: وما التصدي للحراب، ومبارزة الأبطال، بأصعب من التصدي للجواب لمن أمّك بالسؤال

وقد ذكر ابراهيم غرابية في مقالته سرعة البديهة:

ارتبطت البداهة بسرعة الجواب وذكائه، لكنها أيضا تأتي في التصرف الذكي والحيل واستخدام الفرص والخروج من الأزمات والورطات. وهي تعتمد على التفكير السريع، والتمييز بين المواقف. وقد يكون الصمت أذكى من الإجابة، إذ قالت العرب: الصمت يؤدي إلى السلامة، وتحتاج إلى التعرف على نتائج الموقف، فقد يؤدي التصرف والقول السريع إلى أذى النفس.

 

وقد فصل تقي الدين النبهاني سرعة البديهة وافرد لها فصلا كاملا فقال:

سرعة البديهة هي إصدار الحكم على الاشياء بسرعة خاطفة بناء على إدراك سريع خاطف.

فسرعة البديهة، إن كانت تعني بالأصل سرعة الإدراك او سرعة التفكير لكنها تعني سرعة الحكم على الشيء الذي واجهك بناء على سرعة الإدراك.

وبالإضافة الى سرعة البديهة التي وهبها الله للشيخ ابن حم كانت لدية القدرة على الأجوبة المفحمة كما قال ابو حيان التوحيدي في كتابه (الامتاع والمؤانسة):

كذلك الجواب المفحم حين قال: ما أفتح هذا النوع من الكلام لأبواب البديهة وأبعثه لروافد الذهن، وما يتفاضل الناس عندي بشيء أحسن من هذه الكلمات الفوائق الروائق.

ولقد لخص الدكتور محمد هاشم ريان مقالة النبهاني في كتابه (مهارات التفكير وسرعة البديهة)

حيث أوضح مفهوم سرعة البديهة هي في الأصل سرعة الإدراك أو سرعة التفكير، ولكنها حقيقة تتعلق بسرعة الحكم على الشيء او التصرف اتجاه الشيء الذي يواجه الإنسان بناء على سرعة الإدراك. اذن فهي تشمل سرعة الإدراك الطبيعي او الفطري، وسرعة إدراك الحُكم على الشيء معا كما اشار لها ايضا صاحب كتاب (سرعة البديهة) تقي الدين النبهاني.

 

فالإنسان صاحب سرعة البديهة وان كان ذكاءه عبقريا او عاديا فانه يمتلك احساس مرهف وعنده الاستطاعة في ربط المعلومات بالواقع بشكل سريع سوآءاً كان الواقع واقعا ماديا او معنويا فسرعة الحس تعني سرعة نقل الواقع الى الدماغ عن طريق حاسة او أكثر من الحواس الخمس، وسرعة الربط تعني ربط المعلومات السابقة بالواقع لتساعد في تفسيره وإدراكه، فإن تمت العمليتين بأسرع وقت ممكن دل ذلك على وجود سرعة البديهة عند الانسان.

وذكر ايضا في كتاب سرعة البديهة والأجوبة المسكتة:

بان العلاقة ما بين الإجابات المسكتة وسرعة البديهة علاقة وثيقة وقد تطرق الكاتب في واقع سرعة البديهة بنقاط

1- انها ليست موجودة إلا عند الأذكياء

2- تحتاج سرعة البديهة لوجود التفكير السريع، اما التفكير البطيء فلا تنتج عنه سرعة بديهة

3- سرعة البديهة تأتي من كل انواع التفكير، سواء اكان مستنيرا او عميقا او حتى سطحيا.

 

ومن خصائص سرعة البديهة:

1- التحول من التفكير البطيء الى التفكير السريع، حيث تكون الإجابة سريعة ودقيقة وتدل على عمق التفكير وليس تباطؤه.

2- التمييز بين المواقف: أحيانا يكون الصمت هو الجواب الشافي.

3- التعرف على نتائج الإجابة: فالشجاع يتحمل موقفه والطائش يتعثر في مسالك مظلمة.

4- تناسق البديهات بجمالها: من خلال سبك الإجابات وتناسق العبارات.

5- الثبات: فيكون النشاط العقلي أكثر ثبوتيه ومن يحوزها يكون واثقا من نفسه.

اما شروطها:

1- سرعة التفكير

2- الربط بين الموقف وما يجب قوله

3- اختيار البديهة المناسبة

ومن يحوز هذه المهارات يتصف بـ (التركيز العقلي، شدة الانتباه، تقارب الأفكار، والقدرة على استرجاع المعلومات المخزنة بسرعة).

حاز سالم بن حم رحمة الله عليه على جميع هذه الصفات بشهادة الشيخ زايد رحمة الله عليه ورجالات الدولة، وكيف لا يكون كذلك وهو صاحب الشيخ زايد فقد قال علي بن زيد:

 

عن المرء لا تسأل وسأل عن قرينه         فإن القرين بالمقارن يقتدي